السبت، 26 أكتوبر 2019

ميشيل فوكو وموت الإنسان




ميشيل فوكو فيلسوف فرنسي مع أنه يرفض تسميته بالفيلسوف لسبب يخدم مشروعه الفكري الرهيب في النصف الثاني من القرن العشرين، ولد فوكو سنة 1926 وتوفي سنة 1984، كان هذا الفيلسوف الأعمق بين فلاسفة القرن العشرين يرفض فكرة مركزية الذات والإنسان التي بنت عليها الوجودية وجون بول سارتر خاصة الوجودية والمذهب الوجودي، ولذلك هو يرفض تسميته بالفيلسوف لأن الفيلسوف هو تعيين لمركزية فكرية ما.. ويعتبر ميشيل فوكو فيلسوف السلطة بجدارة في القرن العشرين بمثابة توماس هوبز الفيلسوف الأنجليزي في عصر الأنوار، مع أن فوكو جاء بمفهوم للسلطة مخالف لهوبز وللمدرسة الماركسية وحتى لماكس فيبر الفيلسوف الألماني صاحب الرأسمالية والروح البروتستانية..

فبينما كان ينظر للسلطة كونها متعالية فوقية متمثلة في أجهزة الدولة المحتكرة للعنف وللقهر الذي يتحول أحيانا لقوانين، جاء فوكو وأعطى مفهوما آخر للسلطة كونها متواجدة في كل نواحي المجتمع ففي الأسرة هناك سلطة للأب وفي المدرسة وفي العيادة وفي السجن وفي حتى المؤسسات العلمية فكلها تعبر عن السلطة وتعمل لصالح الخطاب السلطوي السائد، فالسلطة وفقا لفوكو عادت أفقية بعدما كانت عمودية هرمية، وفوكو لم يأتي بهذه الفكرة من عنده بل هي تطوير لفكرة إرادة القوة التي تكلم عنها فريدريك نيتشه.. وتلك السلطة التي يتكلم عنها فوكو تعمل لتلبية رغبات الخطاب السائد في مختلف الحقب التارخية، فهناك عصر النهضة الأوروبي وهناك العصر الكلاسيكي أي عصر الأنوار وهناك العصر الحديث فلكل من تلك الحقب التاريخية خطاب سلطوي خاص بها، كما يؤكد فوكو القطيعة المعرفية بين كل تلك الخطابات والأطر المعرفية على عكس الماركسية مثلا التي ترى أن المجتمع يسير وفقا للصراع الطبقي لتولد طبقة أخرى جديدة فتحكم ثم تدخل فب صراع مع طبقة أخرى تناقضها وهكذا إلى غاية الوصول للشيوعية حسب ماركس، فإن فوكو يؤكد على القطيعة التاريخية بين مراحل حياة المجتمعات وقد أسهب في شرحها في كتاباته الوثائقية كتاريخ الجنون وتاريخ الجنسانية وتاريخ المراقبة والمعاقبة.

وضع ميشيل فوكو أداتين أو وسيلتين لمعرفة كيف تتشكل الخطابات السلطوية هما الحفريات المعرفية والجينالوجيا، فالحفريات تحفر فيما اختفى من مفاهيم وأفكار حين تولد الخطابات، والجينالوجيا تتبع الأفكار وتشكلها ببن مختلف الخطابات السلطوية.. بالمثال تتضح الأمور: كتب فوكو عن الجنون في العصر الكلاسيكي ووضح كيف تغير هذا المفهوم بين الحقب التاريخية فقد كان يعتبر إتصالا بالغيب في عصر النهضة وحينها كانت معاملة المجنون فيها نوع من التبجيل، أما في العصر الكلاسيكي فكان الجنون صفة قبيحة جدا وكان المجنون والسفيه والأحمق والمستهتر كلهم يوضعون في محتشدات وتسلط عليهم شتى أنواع العذاب والذل، وفي العصر الحديث الجنون أصبح مرض عقلي يوضع صاحبه في مصحة للعلاج..

هنا يتساءل ميشيل فوكو لماذا تغير مفهوم الجنون بين هذه الفترات كل هذا التغيير الجذري..؟! وكذلك لماذا تغيرت نظرة المجتمع للمجنون..؟! ويجيب فوكو بأن الخطاب السلطوي هو الذي تغير ففي عصر النهضة كان الدين مسيطر على الخطاب وبما أن الجنون صفة ليست قبيحة في الاعتقاد الكنسي (لأنها نوع من الإتصال بالغيب وبالمخفي) فعاملوا المجنون باحترام، أما في عصر الأنوار أصبح فقد أصبح العقل والروح العقلانية المسيطرة وبالتالي فإن المجنون هو فاقد للعقل وهو قبيح وغير إنسان، وفي العصر الحديث أين سيطر العلم وأثبتت الدراسات النفسية أن الجنون هو مرض يجب علاجه ككل الأمراض الأخرى.. وعله فحسب ميشيل فوكو فإن التاريخ ليس مترابطا فيما بينه وإنما تحدث فيه إنقطاعات يتغير فيها الخطاب السلطوي بفعل الأفكار أو الٱكتشافات أو.. وهناك يحث فوكو على الحفر المعرفي لمعرفة أسباب التغير تلك.

أما فكرة موت الأنسان التي بشر بها ميشيل فوكو فهي لا تعني الموت البيولوجي للإنسان بقدر ما تعني أن الإنسان سيصبح شيئا من أشياء الوجود بعدما كان في القديم ذاتا متعالية على المعرفة.. كيف ذلك..؟! كانت فلسفة رينيه ديكارت في القرن السادس عشر تعلي من الإنسان وتعتبر منفصلا عن الوجود فهو الذي يدرك الوجود ويحاول معرفته وتسخيره لصالحه، وسار الفلاسفة ما بعد ديكارت على ذلك حتى جاء الفيلسوف الألماني إيمانويل كانط وضيق من اتساع المعرفة الإنسانية ووضع لها حدودا لا تتعداها، وحدد كانط ما هو الشيء الذي يمكننا معرفته والذي هو العالم الظاهري فقط.

أما العالم الميتافيزيقى فلا طاقة لنا بمعرفته ووضع كانط قوالب ومقولات يعمل بها العقل البشري لإدراك العالم مثل الزمان والمكان والسببية والكم والكيف وغيرها، فظهرت العلوم الإنسانية والاجتماعية بعد كانط في القرن التاسع عشر معتمدة على تلك المقولات التي هي آليات لعمل العقل البشري لإدراك العالم وفهمه، ولكن المشكل هنا أن الإنسان أصبح هو أيضا موضوعا من مواضيع الإدراك وبالتالي سنتعامل مع الإنسان كما تعاملنا مع ظواهر الوجود بإستخدام تلك القواعد والقوالب العقلية وهنا تظهر لنا المفارقة في كون أن المدرك أصبح مدركا، والعارف أصبح هو موضوع للمعرفة وبالتالي مات الإنسان وأصبح شيئا من أشياء العالم، وهذه هي فكرة ميشيل فوكو حول الإنسان الذي مع تطور العلوم الإنسانية والاجتماعية سيصبح شيئا مجردا عن كل ما هو متعالي.
---------------------------------------------------------------------------------
المصادر:
- نظام الخطاب، ميشيل فوكو، ترجمة د محمد سبيلا، دار التنوير بيروت 1984.
- الكلمات والأشياء، ميشيل فوكو، مركز الإنماء القومي، دار الفارابي.
- المراقبة والمعاقبة، ميشيل فوكو، ترجمة علي مقلد، مركز الإنماء القومي بيروت 1990.


الأربعاء، 23 أكتوبر 2019

المثقف والدولة


قبل أن نتحدث أولًا عن مفهوم المثقف عند غرامشي، يجب أن نوضّح وجهة نظره في الدولة، وفكرته عن الهيمنة، لاتصال مفهوم المثقف بتلك المفاهيم، لأن غرامشي في النهاية هو ماركسي، ويحلل مفاهيمًا مثل الدولة والهيمنة، تحليلًا طبقيًا.

الدولة في النظرة الماركسية:

يقتبس لينين في كتابه الدولة الثورة فقرة لإنجلز، يوضح فيها نتائج تحليل إنجلز التاريخي لمفهوم الدولة: (الدولة ليست بحال قوة مفروضة على المجتمع من خارجه. والدولة ليست كذلك (واقع الفكرة الأخلاقية)، (صورة وواقع العقل) كما يدعي هيغل. الدولة هي نتاج المجتمع عند درجة معينة من تطوره، الدولة إفصاح عن واقع أن هذا المجتمع وقع في تناقض مع ذاته لا يمكنه حله، عن واقع أن هذا المجتمع قد انقسم إلى متضادات مستعصية هو عاجز عن الخلاص منها. ولكي لا تقوم هذه المتضادات، هذه الطبقات ذات المصالح الاقتصادية المتنافرة، بالتهام بعضها بعضًا والمجتمع في نضال عقيم، لهذا اقتضى الأمر قوة تقف في الظاهر فوق المجتمع، قوة تلطف الاصطدام وتبقيه ضمن حدود النظام. إن هذه القوة المنبثقة عن المجتمع والتي تضع نفسها، مع ذلك فوقه وتنفصل عنه أكثر فأكثر هي الدولة.
ويعقب لينين بقوله:
في هذه الفقرة قد أُعرب بأتم الوضوح عن الفكرة الأساسية التي تنطلق منها الماركسية في مسألة دور الدولة التاريخي ومعناها. فالدولة هي نتاج ومظهر استعصاء التناقضات الطبقية. فإن الدولة تنشأ حيث وعندما وبمقدار ما تكون التناقضات الطبقية موضوعيًا في حال لا يمكن التوفيق بينها. وبالعكس، فإن وجود الدولة يبرهن على أن التناقضات الطبقية لا يمكن التوفيق بينها.

هكذا يوضح لينين مفهوم الدولة في الماركسية، ونحن هنا بصدد الحديث فقط عن فترة ما قبل غرامشي لإيضاح إضافته، ولكن يجب القول أن ألتوسير انتقد ذلك المفهوم عن الدولة، وأكمل الطريق الذي مهده غرامشي له. يظهر لنا من الكلام السابق أن الدولة:

1- ليست تعبيرًا عن فكرة مطلقة مثل فلسفة هيغل، كما في ذلك المفهوم انتقاد للمفهوم الليبرالي عن الدولة.
2- نابعة من الوجود المادي ذاته.
3- الدولة ناتجة عن التناقضات والصراع الطبقي، وهي تعمل كقوة ملطفة لحدة ذلك الصراع.
4- الدولة أداة لسيطرة الطبقة البورجوازية، فالدولة هنا هي دولة الطبقة الأقوى اقتصاديًا، والتي تصبح سائدة سياسيًا.

إعلان الدولة عند غرامشي:

ينتقد غرامشي اختزال الدولة في أنها محض (آلة) أو (جهاز) ويعرف الدولة بقوله:
(ينبغي ألا تفهم الدولة على أنها فقط جهاز الحكومة. ولكن أيضًا الجهاز الأهلي (غير الحكومي) للسيطرة السياسية، أو المجتمع المدني. ولابد من ذكر أن الفكرة العامة للدولة تشمل عناصر نحتاج أن نرجعها إلى فكرة المجتمع المدني .. ويمكن أن نقول أن الدولة = المجتمع السياسي + المجتمع المدني، أو بتعبير آخر “سيطرة سياسية يحميها سلاح القهر”.
ويمكن القول أن للدولة شقًّا قمعيًا، وشقًّا آخر سياسيًا/ إيديولوجيًّا.

ويعرف غرامشي المجتمع المدني بأنه شبكة أفقية من المنظمات، والعلاقات المهنية تنتظم في الحياة الاجتماعية مثل: النقابات والأحزاب والصحافة والمدارس والكنيسة، باختصار كل ما هو خارج سلطة الدولة.

وفي المقابل، يموضع «غرامشي» المجتمع السياسي، بوصفه المجتمع الذي يقوم على ممارسات القهر والانضباط المباشر والوظائف التنظيمية والبيروقراطية، وفي الجمع بين المجتمع السياسي، والمجتمع المدني تظهر الدولة في شكلها الجدلي، ويكون عمادها هو الهيمنة الثقافية من ناحية، والسيطرة السياسية والقانونية من ناحية أخرى.

يقول هابرماس عن المجتمع المدني.
«الرأي العام غير الرسمي (أي الذي لا يخضع لسلطة الدولة)»، ومن خلال هذه المؤسسات يتم نشر القيم والأفكار وهي منطقة صراعات الهيمنة، فيها يتم إنتاج وإعادة إنتاج أيدولوجيا الطبقة المسيطرة من خلال تجسيد تلك الأيدولوجيا وتحقيق إجماع جماهيري، وقبول بالوضع الراهن، وبسياسات النخبة الحاكمة ومصالحها، و«جرامشي» يضع المجتمع المدني في موضع بين البنية التحتية (الاقتصادية)، والبنية الفوقية (الدولة والمجتمع السياسي) بخلاف ماركس.

عند غرامشي العلاقة بين الدولة، والطبقة المهيمنة اقتصاديًا ليست علاقة خطية ولا بسيطة، فينتقد غرامشي اختزال الدولة في شكل (أداة)، فليست هناك دولة دون سيطرة سياسية، وحلول وسطية، وعلاقات وتحالفات، فهناك منطقة وسيطة بين الحاكمين والمحكومين، تتجاوز فيها الطبقة الحاكمة المصالح الاقتصادية الضيقة، ليتم التوصل لنوع من التسوية، أو الحل الوسط، لتأكيد وضعيتها كطبقة قائدة سياسيًا، وتتم تلك السيطرة عن الطريق شبكة معقدة من الإجراءات، التي يتشارك فيها القمع، والأيديولوجيا. وهذا هو مفهوم غرامشي عن الهيمنة، فالدولة ليست فقط أداة للقمع، بل هي تخلق شبكات أيديولوجية تتمثل في كثير من المؤسسات، والأدوات التي تستخدمها في تحقيق سيطرتها السياسية.
المثقف العضوي:

يقول غرامشي: (كل جماعة اجتماعية يظهر لها وجود على الأرض الأصلية لوظيفة أساسية في عالم الانتاج الاقتصادي، تخلق بنفسها عضويًا، طبقة أو أكثر من المثقفين يمنحونها تجانسًا ووعيًا بوظيفتها الخاصة ليس فقط في المجال الاقتصادي، ولكن أيضًا في المجال السياسي).

يستخدم غرامشي مصطلح المثقف بشكل عريض، ليشير إلى كل أولئك الذين لديهم دور تنظيمي / ثقافي/ إيديولوجي في المجتمع، فعلى سبيل المثل معلمو المدارس، وتقنيو ومديرو المصانع، موظفو الخدمة العامة … إلخ. مثلًا رجل الأعمال الرأسمالي يخلق إلى جانبه التقني الصناعي، والمتخصص في الاقتصاد السياسي، ومن يقومون بتنظيم ثقاقة جديدة ونظام قانوني جديد إلخ.

فطبيعة المثقف العضوي تكون مستمدة أولًا من النواحي التقنية للوظائف الانتاجية الأساسية، ثم يشارك هذا المثقف في المساعدة لتطوير وبناء نمط معين خاص بالطبقة التي ينتمي إليها. وبالتالي فالمثقف العضوي،هو المثقف الذي ينتمي إلى طبقته ويمنحها وعيًا بمهامها، ويصوغ تصوراتها النظرية عن العالم، ويفرضه على الطبقات الأخرى من خلال «الهيمنة»، ويدافع عن مصالحها، ويقوم بالوظائف التنظيمية، والأداتية لضمان تقسيم العمل الاجتماعي داخل الطبقة من ثم استمرارها.
فوكو ومفهومه عن السلطة:

قبل أن نتحدث عن مفهوم فوكو عن المثقف المتخصص، يجب أن نناقش مفهومه عن السلطة، حيث يتجاوز تحليل فوكو للسلطة، التحليل الماركسي التقليدي، فالسلطة ليست عند فوكو هي الدولة، إن الدولة جزء من السلطة، ولكنها ليست السلطة بشموليتها. كما ليست السلطة هي العنف والاخضاع والهيمنة، ففوكو يرى أن وصف السلطة دائمًا بشكل (سلبي) هو اختزال للسلطة، فالسلطة صيرورة تنتج ذاتها في كل لحظة، ولذا هي حضور دائم، فهي غير متركزة في مؤسسة أو جهاز معين، بل هي كما يقول فوكو متوزعة على الجسد الاجتماعي بأكمله، تخترقه، فعند فوكو لا يوجد مالك محدد للسلطة، لا طبقة، ولا ذات، لا عامل اقتصادي محدد. فالسلطة ممارسة، وليست ملكية، فالسلطة بلا جوهر، بل هي إجرائية، أو علاقة، تمارس عبر نشاط عن طريق علاقات غير متساوية، غير متجانسة.
السلطة كإنتاج:

يقول فوكو:
(يحب التوقف عن وصف مفاعيل السلطة بعبارات سلبية مثل: إن السلطة تستعبد وتكبت وتقمع وتراقب وتجرد وتقنع وتخفي. في الواقع إن السلطة تنتج، تنتج الواقع الحقيقي، تنتج مجالات من الموضوعات ومن طقوس الحقيقة).
لا ينكر فوكو الجانب القمعي من السلطة، بل هو يريدنا أن نراها بمنظور آخر، أن يكشف جوانبًا خفية منها، وألا نخترلها في ذلك الشكل، فالسلطة إيجابية ومنتجة، تنتج ذاتها أولًا، وتنتج الفرد، الواقع، المعرفة، والحقيقة. وهذا ما عبر عنه فوكو في مفهوم (الانضباط) كما وضح آلياته المختلفة.

يميز فوكو بين المثقف الكوني والمثقف المتخصص، ويتحدث فوكو عن انتهاء عصر المثقف المالك للحقيقة، والذي مثل ضمير المجتمع والعدالة فيقول فوكو:

“لقد مرت تلك الحقبة الكبرى من الفلسفة المعاصرة، حقبة سارتر وميرلوبونتي، حيث كان على نص فلسفي، أو نظري ما، أن يعطيك معنى الحياة والموت، ومعنى الحياة الجنسية، وأن يقول لك هل الله موجود أم لا ؟ وما هي الحرية وما ينبغي عمله في الحياة السياسية وكيف تتصرف مع الآخرين، إلخ .”

يؤسس فوكو لمفهوم المثقف المتخصص، والذي هو المقابل للمثقف الكوني الذي مثلته الماركسية، والوجودية، وهو يمتاز بصفات ذكرها الدكتور زواوي باغورا منها:

1- المثقف الجديد لا يعطي دروسًا ولا يقوم بالتوجيه العام، وإنما يقوم أدوات للعمل ومناهج للتحليل.
2- المثقف الجديد هو الذي يوضح مسألة معينة، أو يبين وضعية جديدة، أو يكشف عن حالة خاصة.
3- المثقف المتخصص ليس مرتبطًا بجهاز الإنتاج، ولكنه مرتبط بجهاز المعلومات، والذي لا يمكن أن يشكل بديلًا لمعرفة العامل في جهاز الإنتاج.
4- المثقف المتخصص، هو الذي يقطع نهائيًا، مع دعوى الشمولية، والكونية، والكلية، ويمارس يقظةً سياسية، نظرية، أخلاقية في ميدان عمله أو محيطه الاجتماعي.
5- المثقف الجديد هو المحلل والناقد لأنظمة الفكر، والتي أصبحت تشكل بديهيات، والتي ترتبط بشكل عضوي مع مفاهينا، ومواقفنا وسلوكنا.
6- ليست مهمة المثقف الجديد، سَنَّ القوانين واقتراح الحلول وتقديم النصح، وإنما مهمته التحويل، أو التغيير من خلال ميدانه، وذلك بتشخيص الحاضر.

يتفق فوكو وغرامشي، في توسيع مستوى مفهوم السلطة، وكشف أوجه مختلفة منها، ففوكو ذهب إلى مناطق بعيدة، ليبين كيف يمكن للسلطة السيطرة الكاملة، ووضح في مفهومه عن الانضباط آلياته المختلفة لذلك، ولكن حضور السلطة الدائم عن طريق إنتاج ذاتها، ينفي أي وسيلة (للثورة) ففوكو يرى أن كل ما يحدث هو مقاومات، ولكن تلك المقاومات في النهاية، إذا تحدثنا، بلا فائدة، لأنها تحدث في حيز السلطة، وبسبب ذلك الحضور الدائم الذي يشبه حضور الإله، تم انتقاد مفهوم السلطة عند فوكو، حيث وصف هابرماس السلطة عند فوكو (بالمقولة المتعالية)، كما أن فوكو يرفض مفهوم المثقف المرتبط برؤية كونية، شاملة، ويرسخ لمفهوم جديد لمثقف متخصص.

وعلى الجانب الآخر في رؤية غرامشي الماركسية للدولة، ومحاولته لتوضيح آليات السيطرة، والهيمنة الأيديولوجية والسياسية، تظل هناك فرصة (للثورة) فغرامشي عن طريق تأسيسه لمفهوم حرب الموقع، وعن طريق حديثه عن الحزب ووصفه له بالأمير الحديث، وحديثه عن المثقف العضوي، حاول وضع استراتيجيات يمكن من خلالها مقاومة السلطة، وإفساح مجال لحدوث ثورة للتغيير، فغرامشي أضاء الطريق عن كيف يجب الإعداد فكريًّا جيدًا، قبل أن يحدث أي تحرك مادي على الأرض.


المصادر 
1- لينين الدولة والثورة 
2- مداخل إلى غرامشي السيطرة السياسية، الثورة، الدولة 
4- مفهوم الخطاب عند فوكو للدكتور زواوي باغورا

( منقول من موقع : " المحطة " )

الخميس، 19 سبتمبر 2019

من أقوال الفيلسوف " فريدريك نيتشه "


- ا تمش في طريق من طرق الحياة إلا ومعك سوط عزيمتك وإرادتك لتلهب به كل عقبة تعترض طريقك.
- إنما إذا ما مت يا أختاه لا تجعلي أحد القساوسة يتلو علي بعض الترهات، في لحظة لا أستطيع فيها الدفاع عن نفسي.
- إن الرب شماعة تعلقون عليها خطاياكم .
المرأة كانت خطيئة الرب الثانية.
- لاتنجح امور ما لم تكن وراؤها نفوس تضج بالحيوية .
- أقوى وأسمى إرادة في الحياة لا تتمثل في الكفاح التافه من أجل الحياة، وإنما في إرادة الحرب، إرادة السيطرة
- أحب فقط ما كتبه الإنسان بدمه .
- من يحتقر نفسه مازال يحترم نفسه بوصفه محتقرا
- فظيع هو الموت عطشا في البحر...
- أعليكم حقا أن تملحوا حقيقتكم إلى أن لا تعود قادرة حتى على ارواء العطش؟؟
- من منا لم يقدم يوما ذاته قربانا على مذبح الصيت الحسن؟
- المرأة لغز مفتاحه كلمه واحده... هي الحب
- الرغبة أعمق من وجع القلب.
- يجب أن تخرج الأسود الضاحكة إلى تنور الوجود.
- لسنا صادقين تماماً إلا في أحلامنا.
- إن الحياة بدون موسيقى ستكون غلطة.
- نحن نمدحُ ما يلائم ذوقنا، وهذا يعني إنّنا عندما نمدح فنحن نمدح ذوقنا الخاص ،ألا يخالف هذا كلَّ ذوقٍ سليم؟! .
- في داخل كل رجل طفل يريد أن يلعب.
- أريد معرفتك أيها المجهول

- أنت، أيها الغارف روحي بعمق أيها المخترق حياتي كعاصفة أيها اللامفهوم، يا قريبي أريد معرفتك وخدمتك.
"أجلْ ! إنّي لا أعلمُ مَنْ أنا ومنْ أين نشأتُ
أنا كاللهيب النّهِم،
احترق ، وآكل نفسي
نورٌ : كلُّ ما أُمسكُهُ،
ورَمادٌ : كلُّ ما أتركُه
أجلْ ! إنّي لهيب حقّاً "
- هناك اوثان في هذا العالم أكثر من الحقائق
- إن فكرة المسيحية عن قبح العالم وشروره قد جعلت العالم قبيح وشرير
- بعد اعدام الرب انا جاهز لحكم العالم
- لا اعلم ما قد تريده روح فيلسوف أكثر من كونه راقصا جيدا
- أنا أومن بالرب لأنني ضعيف.
- إن العدميين والمسيحيين كلمتان تتوافقان ابجديا في اللغة الألمانية ولكنهما بالحقيقة أكثر من متشابهان لغة"
- من السنن الأزلية أن يعيد التاريخ نفسه، كما تعيد الشمس كرتها من نقطة الانقلاب.

مختارات من كتاب فريدريش نيتشه : الحِكْمَة الشّريرةُ: حِكَمٌ وأَمْثَالٌ
المفكر المتوحد :

1 ـ الموتُ قريبٌ بما فيه الكفاية كي لا نرتاع من الحياةِ .
2 ـ الآلامُ المديدةُ والكبيرةُ تُربي الطاغيّةَ في الإنسانِ.
8 ـ ما إنْ تقول لي الفِطْنَة : "لا تفعلْ هذا، فتأويله سيكون ذميماً"، حتى أسلك خلافاً لها دائماً.
11 ـ أبغضُ ضيقَ الأفقِ أكثر بكثيرٍ من الخَطِيْئَةِ .
14 ـ الإنْسانّ الَّذيّ لم يفكّرْ ولا مرةً بالنّقودِ، بالشّرفِ، باكتساب العلاقات المؤثرة، بالمَنْصب، هل يستطيع يا ترى معرفة النّاسِ؟
20 ـ "يا صاح، إنّ كلَّ شيءٍ كنتَ تحبّه أصابك بالخيبةِ: صارت الخيبةُ دَيْدَنَكَ من كلِّ بدٍّ، وحبك الأخير الَّذيّ تسمّيه حباً لـ "الحقيقة" هو بالضبط ما يجب أن يكون حباً ـ للخيبة".
21 ـ مَهْلَكةُ الحكيمِ في أنّه أكثرُ الجميع عرضةً لإغراء الوله باللامعقوليّة.
29 ـ ما قبل البطلِ، ليس عندي رأيٌ بدرجة جيدة عنه ـ وعلى الرّغمِ من ذلك : هو ـ الشكل الأكثرُ قبولاً للوجود، لاسيّما عندما لا يكون ثمّة خيارٌ آخر.
34 ـ مَنْ لا يعيش في الجَلِيْل، كما في منزله، هو ذاك الَّذيّ يفهم الجَلِيْلَ شيئاَ فظيعاً ومزيفاً.
36 ـ يمكن فـي ذروة الصّراعِ التضحية بالحياة: لكنّ الظافر يطرح من نفسه بالتجربة المرّة حياتَه. إنّ كلُّ نصرٍ يتسم باحتقار الحياة.
37 ـ تتضمن كلُّ بهجةٍ في نفسها شيئاً ما بوصفه رعباً وهرباً من أنفسنا ذاتها ـ أحايين إنكار الذات، ورفض الذات.
41 ـ إنّ أولئك الَّذيّن كانوا يحبون الإِنْسانَ، أكثر الجميع إلى الآن، الَّذيّن سـببوا له دائماً الألم الأشدّ؛ مثل جميع المحبين فهم يطلبون منه المحال.
46 ـ مَنْ يتعرّض لهجماتٍ من جانب زمنه، هو ذلك الَّذيّ سـبقه بشكلٍ غير كافٍ ـ أو تخلّف عنه.
حول المعرفة
57 ـ أنتم، يا محبيْ المعرفة! ماذا فعلتم جرّاء الحبِّ لأجل المعرفةِ حتّى الآن؟ هل اقترفتم سرقةً أو قتلاً، من أجل التعرّف على ما في روح السّارِق أو القاتلِ؟
60 ـ منذ القدمِ يستحوذ علينا أثناء الإعياء التصوراتُ القاهرةُ.
63 ـ الإنسان وحسب يجعل العَالَمَ قابلاً للإدراك ـ ونحن ما زلنا مشغولين بهذا: وإذا فهمه ذات مرةٍ، فإنّه يشعر منذ الآن بأنّ العَالَم "مخلوقـ" ـه ـ آه ، ويتأتى عليه ككلِّ خالقٍ أنْ يحب مخلوقه!
71 ـ عندما يقترنُ الشكُ بالمعاناةِ تظهر الصوفيّةُ.
73 ـ يتجذّر الإيمانُ بالسببِ النتيجةِ في أقوى الغرائز: في غريزة الانتقامِ.
بَعْدَ موتِ الإلهِ :
81 ـ جاء زمانٌ، تَوَجّب فيه على الشّيْطان أنْ يكون محامي الإله: إذا أراد أنْ يطيل وجوده هو نفسه.
83 ـ كلُّ كنيسةٍ ـ هي حجرٌ على قبرِ الإِنْسانِ ـ الإله: إذ ترغب حتماً بأنْ لا يُبعثَ مجدداً.
84 ـ لا يجد المؤمنُ عدّوَه الطبيعيّ في المفكّرِ الحرِّ، بل في الإِنْسان الدينيّ.
حول الأخلاقِ
96 ـ عندما يعظ الطيبون فإنّهم يبعثون القرفَ، وعندما يعظ الأشرار فإنّهم يبعثون الخوفَ.
118 ـ يشعر النّاس الأخلاقيون بالرضى عن النَّفْسِ أَثْناء تبكيت الضمير .
119 ـ السخطُ الأخلاقيُّ هو وسيلةُ الانتقامِ الأكثر خبثاً .
170 ـ "أحببْ قريبَكَ" ـ هذا يعني أولاً: "اتركْه وشأنه"! ـ وهذا الجزء من الفَضِيْلَةِ هو الأكثر صعوبةً.
171 ـ لا أفهم سببَ ممارسة الوشاية، إذا شئتَ أنْ تغيظ أحداً ما، يكفيك أنْ تقول عنه شيئاً صادقاً.
الفَنُّ والفَنَّانُ
194 ـ لو خطر لإلاهة الموسيقى ألاّ تتحدث بالنغمات، بل بالكلمات، لتوجب علينا أنْ نصم آذننا.
الرّجلُ والمرأةُ
199 ـ المَسْكَنَةُ في الحُبِّ تخفي عن طيب نفسٍ غيابَ الحُبِّ اللاّئق.
205 ـ في البدء شيءٌ من الزعل ـ وعلى إثْر ذلك حب كبير؟ على هذا النحو يحصل الانفجار من احتكاك أعواد الثقابِ.
217 ـ الغَيْرَةُ ـ الهوى الأكثر ظرافةً، بَيْدَ أنَّها الحماقة الكبرى أيضاً.
223 ـ بالنسبة للنّساء اللّواتي تمنعهنّ العادةُ والخجلُ من إشباع الميل الجنسي، يظهر الدِيْنُ، كشيءٍ غيرِ قابلٍ للتعويض، بوصفه انفكاكاً روحيّاً للحاجة الأيروسيّة.
231 ـ مَنْ ليس قادراً على الحبِّ، ولا على الصّداقَة ذلك الَّذيّ يراهن غالباً على الزّواجِ.
7 ـ أشياءُ بشريّةٌ متنوعةٌ
235 ـ لا يبحث إنسانُ المتاهةِ عن الحقيقةِ قطُّ، بل دائماً عن أريادنا وحسب، بغض النَّظر عمّا قاله هو نفسه لنا بصدد ذلك.(5)
246 ـ فقط ذلك الَّذيّ لا يلين له الحقُّ بالتزام الصمتِ حول نفسه ذاتها.
281 ـ النّاس السطحيّون مضطرون للكذاب دائماً، بوصفهم محرومين من المضمون.
287 ـ نحن نمدحُ ما يلائم ذوقنا؛ وهذا يعني، إنّنا عندما نمدح، فنحن نمدح ذوقنا الخاص ـ ألا يخالف هذا كلَّ ذوقٍ سليمٍ.

السبت، 7 سبتمبر 2019

بيير تراند راسل


ولد الفيلسوف الانجليزي برتراند آرثر وليام راسل في 18 ماي سنة 1872م برافنسكروفت (بريطانيا) من أسرة عريقة؛ فقد كان جدّه اللورد راسّل رئيس وزراء الملكة فيكتوريا، وكان والده الفيكونت أمبرلي مفكّرا متحرّرا معروفا، وكانت أمّه مناضلة في الحركة النسويّة.

درس بكلّيّة ترينيتي بجامعة كامبريدج وكان أميل إلى الرياضيات، وقد تحصّل على شهادة التبريز سنة 1895 ببحث حمل عنوانا: محاولة في أسس الهندسة. درس الفلسفة وتأثّر في البداية بهيغل، إلاّ أنّه انصرف عن فكره بعد مطالعة كتابه "المنطق". وانتقد برادلي في آرائه حول الظاهر والواقع. وأصدر سنة 1900 فلسفة لايبنتز. وفي سنة 1903 أصدر كتاب "مبادئ الرياضيات" متأثّرا بعالم الرياضيات والمنطق الإيطالي بينو. وعُين أستاذاً للفلسفة فيها مدة ست سنوات، قبل أن يطرد منها بسبب كتيّب ألّفه سنة 1916 يصف فيه حالة إنسان معارض للحرب. وفي 1918 حكم عليه بالسجن ستّة أشهر نتيجة مقال كتبه اعتبر تشهيرا بالحكومة البريطانيّة والجيش الأمريكي. وكان السجن مناسبة لتأليف كتابه "مدخل إلى الفلسفة الرياضيّة" والشروع في تأليف كتابه "تحليل المنطق".

حصل سنة 1950 على جائزة نوبل للآداب، لجرأته في التصريح برأيه ومناهضته للحرب.

وفي سنة 1961 تمّ سجنه ثانية بتهمة تحريض الرأي العام ضدّ التسلّح النووي.

كان غزير الإنتاج وبلغت كتبه حوالي خمسة وثلاثين كتابا فضلا عن عديد المقالات والروايات البوليسية... ونذكر من هذه الكتب: "مبادئ الرياضيات" (1903)، و"الأصـول الرياضية" (1910-1913)، و"مشكلات الفلسفة" (1912)، و"معرفتنا بالعالم الخارجي" (1914)، و"مدخل إلى الفلسفة الرياضية" (1919)، و"تحليل العقل" (1921)،و"الدين والعلم" (1931)، و"بحث في المعنى والصدق" (1940)، و"تاريخ الفلسفة الغربية" (1946)، و"لماذا أنا لست مسيحياً" (1957)، و"حكمة الغرب" (1959).

وقد توزّعت كتاباته على قسمين بارزين: الأوّل تناول فيه المنطق وفلسفة الرياضيات، والثاني اهتمّ فيه بمواضيع السياسة والتربية والأخلاق ونظريّة المعرفة.

توفّي برتراند رسل في 2 فيفري 1970 شمال مقاطعة الويلز.

الوجـــوديـــــة


مفهوم الوجوديَة 

الوجوديّة تيار فلسفي ظهر في القرن العشرين، نادى بأهميَة وقيمة وجود الفرد الإنساني، وانتشر في ثلاثينيَات وأربعينات القرن العشرين، ويمكن القول بأن الوجوديَة جاءت كرّدة فعل على مساوئ الحرب العالميَة الأولى، والتي خلفت وراءها آلاف القتلى والجرحى، ممّا جعل مفكري ذلك العصر يبحثون عن فكر أو تيَار يعيد للإنسان قيمته، ويعزز أهميَة وجوده، فقاموا بنشر أفكارهم عبر المسرح، والأدب، والشعر، حتى أصبح من أشهر التيَارات الفلسفيَة الإنسانيَة في أوروبا. سمّيت الوجوديّة بأسماء كثيرة كان أبرزها :
 فلسفة العدم، الفلسفة الانحلاليّة، وفلسفة التفرّد، ووصفت بأنّها: مرض الإنسان في القرن العشرين، وأحد أبرز أمراض العصر الحديث. 

أبرز مفكري الوجوديّة 

يعدّ الدنماركي سورين كير كغارد (1813-1855م)، الأب الروحي للوجودية ومؤسّس المدرسة الوجودية، حيث هاجم بعض أفكار فلاسفة عصره، من الذين قللوا من قيمة الفرد كفلسفة هيجل حسب رأيه. يعتبر الفرنسيَ جون بول سارتر من أشهر الفلاسفة الوجوديين، حيث ساهم عمله كجندي فرنسي ضد الألمان بلفت نظره إلى أهميَة وجود فكر يوجه نظر واهتمام الإنسان إلى قيمة الوجود، وعبّر عن ذلك في مسرحياته، (الذباب)، ومسرحية (اللا مخرج)، ومسرحية (المنتصرون). بالإضافة إلى مفكرين آخرين كالفرنسيَ غابرييل مارسيل، والألماني كارل ياسبرز اللذين خلفا بصمةً وأثراً كبيراً في الفكر الوجوديّ. 

أقسام الوجوديّة 

قسّم المفكرون الفلسفةَ الوجوديّة إلى قسميَن: الوجوديّة الدينيّة تسمّى بالوجوديَة المسيحيَة، ومن أشهر روادها غابرييل مارسيل الذي سيطرت على فكره الوجودي النزعة التفاؤليّة، واعتبر الإيمان بالربّ قادراً على حلّ مشكلات الإنسان، كما كان لكارل ياسبرز أثره في الوجوديّة الدينيّة، حيث اعتبر الحريّة شرطاً للوصول إلى الربّ. الوجوديّة الملحدة من أشهر مفكري الوجودية الملحدة سارتر، وسيمون دي فوار، وألبير كامو، وجميعهم ينكرون وجود الله، حيث اعتبروه عاجزاً عن حلّ مشاكل الإنسان، واعتبروا الإنسان خالقاً لذاته. أفكار ومبادئ الوجوديّة ركّزت أفكار الوجوديَة على: الذات الإنسانيَّة ومشاكل الوجود البشريّ، من حيَاة، وموت، وحريَة، ومسؤوليَة، بعكس التيارات الفلسفية الأخرى التي ركّزت على موضوعات علم المنطق، ونظريّة المعرفة. موضوعات علم النفس البشريَّة من عواطف، وأحاسيس، ومشاعر. التخلّص من الرواسب الفكرية القديمة، بغض النظر عن مصدرها أيَن كان سواء ديناً، أو أخلاقاً، أو عادات وتقاليد اجتماعية. مبدأ الحريَة المطلقة لدى الإنسان؛ لبناء شخصيَة الإنسان الحرة الواعيَة. الاهتمام بمعاني الوجود الإنساني، من قلق، وخوف، ويأس. قوبلت الوجوديّة بالنقد؛ كونها لم تعالج القضايا التي طرحتها كالحياة، والموت، وتمّ اعتبارها فلسفة تشاؤميّة، حيث ذكرت الحياة بصورها السلبيّة فقط، وتجاهلت صورها الإيجابيّة التي تقود الإنسان إلى التقدّم.

جون بول سارتر Jean - Paul Sarter


جان بول سارتر فيلسوف فرنسي يعتبر من أعظم فلاسفة المذهب الوجودي والجدلية في القرن العشرين، فاز بجائزة نوبل لكنه رفضها، توفي عام 1980 بعد أن أصبح شبه أعمى وتعرض لوذمة رئوية.
جين بول سارتر كان كاتبًا مسرحيًا وفيلسوفًا وناشطًا سياسيًا فرنسيًا مشهورًا، أثر في بعض المجالات المعرفية مثل علم الاجتماع و الدراسات الأدبية، كان شخصية بارزة في كل من الفلسفة الوجودية و والفلسفة الظواهرية، وقد اعتبر واحدًا من أبرز الشخصيات الفرنسة في القرن العشرين، بالرغم من أنه حاز جائزة نوبل في الأدب عام 1964 إلا أنه رفضها، حيث قال بهذا الشأن أن الكاتب لا يجب أن يصبح مؤسسة.
تقوم فلسفة سارتر الوجودية على دعمه لفكرة أنه لا يوجد خالق وأن البشر “محكومون بأن يكونوا أحرارًا”، ووفقًا له فإن عدم وجود خالق يعني أنه لا جوهر للوجود البشري، وكونه ماركسي كان معجبًا بالاتحاد السوفيتي على الرغم من أنه كان يحمل حماسًا كبيرًا للحركات السياسة الفرنسة، وقد قال بأنه لم ينضم إلى الحزب الشيوعي، في الوقت الذي دمرت فيه آماله في الشيوعية بعد دخول الدبابات السوفيتية إلى بودابست، لم يدن هذا الفعل فحسب بل انتقد الحزب الشيوعي الفرنسي كونه كالدمية في يد إملاءات موسكو، بالرغم من أنه يعتبر الماركسية هي أفضل فلسفة في العصر الحالي إلا أنه يقول بأنها تحتاج إلى بعض التغييرات البسيطة كتعلم تثمين واحترام الحريات الفردية للوجود الإنساني.

ولد جان- بول تشارلز أيمارد سارتر في 21 حزيران/يونيو 1905 في باريس- فرنسا وهو الابن الوحيد لوالده جان- بابتيست سارترJean-Paptiste Sartre الذي كان يعمل ضابطًا في البحرية، والدته آن- ماري شوايتزر Anne-Marie Schweitzer.
في البداية خسر والده وهو طفل صغير، مما دفع بوالدته للعودة إلى منزل أهلها لتتمكن من تربية ولدها، عندما كان شابًا بدأ سارتر يهتم بالفلسفة بعد قراءته مقالة Time and Free Will لهنري بيرغسون Henri Bergson، حصل على شهادة الدكتوراه في الفلسفة من École Normale Supérieure في باريس، استحوذت عليه أفكار كانط وهيغل وكيركيجور و هيوسرل وهايدغر من بين باقي الفلاسفة.

في عام 1929 عندما كان في École Normale التقى سيمون دي بوفوار Simon de Beauvoir وقد كانت طالبة في جامعة السوربون وأصبحت فيما بعد فيلسوفة مشهورة وكاتبة تنادي بالمساواة بين الرجل والمرأة(ناشطة نسوية)، بعدها أصبحا شريكين لبقية حياتهما، بالرغم من أن كل منها لا يؤمن بالزوجة الوحيدة، إلا أنهما كان فيلسوفان وناشطان في مجال المساوة بين الرجل والمرأة.

إنجازات جان بول سارتر

عام 1939 تم تجنيد سارتر في الجيش الفرنسي حيث خدم في الأرصاد الجوية. أسره الجيش الألماني عام 1940 وأمضى تسعة أشهر كأسير حرب، نال بعدها الحرية وعاد إلى الحياة المدينة، تمكن حينها من الحصول على عمل كمدرس في Lycée Pasteur خارج باريس.

بعد عودته إلى المدينة، اشترك مع مجموعة من الكتاب في تأسيس مجموعة سرية عرفت باسم الاشتراكية والحرية Socialisme et Liberté لكن تم حل المجموعة بعد فترة قصيرة، قرر عندها أن يتجه إلى الكتابة بدلًا من تأسيس الجمعيات ذات النشاطات السياسية المقاومة، وخلال فترة قصيرة نشر Being and Nothingness، وThe Flies ومن ثمNo Exit، جعلت منه أعماله المتعلقة بالفلسفة الوجودية اسمًا مألوفًا حينها، استفاد سارتر في أعماله من تجاربه الخاصة زمن الحرب، بعد تحرير باريس كتب "معاداة السامية واليهود" Anti-Semite and Jew، وقد حاول من خلالها أن يوضح مفهوم الكراهية من خلال تحليل معاداة السامية.

بعد الحرب العالمية الثانية انخرط في النشاط السياسي، وقد كان يعبر بصراحة عن معارضته للحكم الفرنسي في الجزائر، اعتنق الماركسية وزار كوبا حيث التقى فيديل كاسترو وتشي غيفارا، عارض الحرب الفيتنامية وشارك في محكمة تهدف إلى فضح جرائم الولايات المتحدة عام 1967، استمر سارتر بالكتابة وقد كانت منشوراته الرئيسية بعد عام 1955، ظهر كتابه "نقد السبب الجدلي" Critique of Dialectical Reason عام 1960.

ابتعد سارتر عن الأدب خلال السنوات العشر الأولى من حياته. وأوضح أن الأدب يعمل في نهاية المطاف كبديل برجوازي للالتزام الحقيقي في العالم.

حياة جان بول سارتر الشخصية

كان سارتر صديقًا مقربًا للكاتبة النسوية والفيلسوفة سيمون دي بوفوار. تحولت هذه الصداقة إلى علاقة رومانسية لاحقًا، لكنهما لم يكونا ملتزمين ببعضهما.

وفاة جان بول سارتر

وضع سارتر نمطًا للحياة مع القليل من الممتلكات، وبقي ملتزمًا بالنشاطات السياسية والإنسانية حتى نهاية حياته بما في ذلك مشاركته في مظاهرات باريس عام 1968. تدهورت الحالة الصحية لسارتر عام 1970 وأصبح شبه أعمى عام 1973، توفي سارتر في الخامس عشر من نيسان/أبريل 1980 في باريس بسبب وذمة رئوية، ودفن في مقبرة مونتبارناس حيث قال أنه سيتشارك القبر مع شريكة حياته سيمون دي بوفوار.

حقائق سريعة عن جان بول سارتر

في تشرين الأول/ أكتوبر 1964 حصل سارتر على جائزة نوبل في الأدب لكنه رفض الجائزة، ليصبح بذلك أول حائز على جائزة نوبل يقوم بذلك.
كتب سارتر رسالة إلى مؤسسة نوبل يرجع تاريخها إلى 14 تشرين الأول / أكتوبر 1964 يطلب فيها حذف اسمه من قائمة المرشحين، وأنه لن يقبل نفس الشيء إذا تم منحه الجائزة ولكن الرسالة ظلت غير مقروءة.

أحدث الأخبار عن جان بول سارتر


أعلن سارتر عن إلحاده فى مسرحية «الغثيان» و«الشيطان والإله الطيب»، فقال: «وحدى قررت الشر، واخترعت الخير، أنا الذى أفعل المعجزات، أنا الذى أتهم نفسى، وأنا وحدى من ...


أحمد عثمان (باريس). المجلة الشهيرة «الأزمنة الحديثة» التي أسسها جون بول سارتر وسيمون دو بوفوار في عام 1945، والتي تصدر عن مطبوعات غاليمار، سوف تتوقف نهائياً عن ...


تحل اليوم ذكرى وفاة الكاتب والفيلسوف الفرنسي جان بول سارتر، الذي تحل ذكرى وفاته في مثل هذا اليوم، من 1905، وكانت من أهم مقولاته من كتاب دفاتر طرائف الحرب 'أنا لا ...

في سقطة جديدة من سقطات بعض قطاعات وزارة الثقافة المعنية بالنشر، وبالتحديد المركز القومي للترجمة، وسلسلة 'آفاق عالمية' التي تصدر عن الهيئة العامة لقصور ...


... | بشار أسعد- بيلاروسيا. «الوجود يسبق الماهية فالإنسان مسؤول عما هو كائن، فأول ما تسعى إليه الوجودية هي أن تضع الإنسان بوجه حقيقته، أن تحمّله من ثم المسؤولية الكاملة ...

الجمعة، 2 ديسمبر 2011

حياة إبن خلدون


ولد ابن خلدون في تونس عام 1332م (732هـ) بالدار الكائنة بنهج تربة الباي رقم 34. أسرة ابن خلدون أسرة علم وأدب، فقد حفظ القرآن الكريم في طفولته، وكان أبوه هو معلمه الأول [1], شغل أجداده فيالأندلس وتونس مناصب سياسية ودينية مهمة وكانوا أهل جاه ونفوذ، نزح أهله من الأندلس في منتصفالقرن السابع الهجري، وتوجهوا إلى تونس، وكان قدوم عائلته إلى تونس خلال حكم دولة الحفصيين
قضى أغلب مراحل حياته في تونس والمغرب الأقصى وكتب الجزء الأول من المقدمة بقلعة أولاد سلامة بالجزائر، وعمل بالتدريس في جامع الزيتونة بتونس وفي المغرب بجامعة القرويين في فاس الذي أسسته الأختان الفهري القيروانيتان وبعدها في الجامع الأزهر بالقاهرة، مصر والمدرسة الظاهرية وغيرهم [ ابن خلدون، موقع كول بيدجس]وفي آخر حياته تولى القضاء المالكي بمصر بوصفه فقيهاً متميزاً خاصة أنه سليل المدرسة الزيتونية العريقة وكان في طفولته قد درس بمسجد القبة الموجود قرب منزله سالف الذكر المسمى "سيد القبّة". توفي في القاهرة سنة 1406 م (808هـ). ومن بين أساتذته الفقيه الزيتوني الإمام ابن عرفة حيث درس بجامع الزيتونة المعمور ومنارة العلوم بالعالم الإسلامي آنذاك.
المسجد الذي درس فيه ابن خلدون خلال صباهبالعاصمة التونسية
يعتبر ابن خلدون أحد العلماء الذين تفخر بهم الحضارة الإسلامية، فهو مؤسس علم الاجتماع وأول من وضعه على أسسه الحديثة، وقد توصل إلى نظريات باهرة في هذا العلم حول قوانين العمران ونظرية العصبية، وبناء الدولة وأطوار عمارها وسقوطها. وقد سبقت آراؤه ونظرياته ما توصل إليه لاحقاً بعدة قرون عدد من مشاهير العلماء كالعالم الفرنسيأوجست كونت.
عدّدَ المؤرخون لابن خلدون عدداً من المصنفات في التاريخ والحساب والمنطق غير أن من أشهر كتبه كتاب بعنوان : العبر وديوان المبتدأ والخبر في أيام العرب والعجم والبربر ومن عاصرهم من ذوي السلطان الأكبر ، وهو يقع في سبعة مجلدات وأولها المقدمة وهي المشهورة أيضاً بمقدمة ابن خلدون، وتشغل من هذا الكتاب ثلثه، وهي عبارة عن مدخل موسع لهذا الكتاب وفيها يتحدث ابن خلدون ويؤصل لآرائه في الجغرافيا والعمران والفلك وأحوال البشر وطبائعهم والمؤثرات التي تميز بعضهم عن الآخر.
دار ابن خلدون بالعاصمة التونسية
اعتزل ابن خلدون الحياة بعد تجارب مليئة بالصراعات والحزن على وفاة أبويه وكثير من شيوخه إثر وباء الطاعونالذي انتشر في جميع أنحاء العالم سنة 749هجرية (1323 م) وتفرغ لأربعة سنوات في البحث والتنقيب في العلوم الإنسانية معتزلاً الناس في سنوات عمره الأخيرة، ليكتب سفره المجيد أو ما عرف بمقدمة ابن خلدون ومؤسسا لعلم الاجتماع بناء على الاستنتاج والتحليل في قصص التاريخ وحياة الإنسان. واستطاع بتلك التجربة القاسية أن يمتلك صرامة موضوعية في البحث والتفكير.
  • ابتكر ابن خلدون وصاغ فلسفة للتاريخ هي بدون شك أعظم ما توصل اليه الفكر البشري في مختلف العصور والأمم. أرنولد توينبي
  • إن مؤلف ابن خلدون هو أحد أهم المؤلفات التي انجزها الفكر الإنساني. جورج مارسيز
  • ان مؤلف ابن خلدون يمثل ظهور التاريخ كعلم، وهو أروع عنصر فيما يمكن أن يسمى بالمعجزة العربية. ايف لاكوست
  • انك تنبئنا بأن ابن خلدون في القرن الرابع عشر كان أول من اكتشف دور العوامل الاقتصادية وعلاقات الإنتاج. ان هذا النبأ قد أحدث وقعا مثيرا وقد اهتم به صديق الطرفين (المقصود به لينين) اهتماما خاصا. من رسالة بعث بهامكسيم غوركي إلى المفكر الروسي انوتشين بتاريخ 21/ايلول سبتمبر 1912.
  • تُرى أليس في الشرق آخرون من أمثال هذا الفيلسوف. لينين
  • ففيما يتعلق بدراسة هيكل المجتمعات وتطورها فإن أكثر الوجوه يمثل تقدما يتمثل في شخص ابن خلدون العالم والفنان ورجل الحرب والفقيه والفيلسوف الذي يضارع عمالقة النهضة عندنا بعبقريته العالمية منذ القرن الرابع عشر. روجية غارودي
هذا غيض من فيض مما قاله بعض أقطاب الفكر الغربيين ناهيك عن المفكرين العرب والمسلمين وفيما يلي سنحاول حصر بعض المواضيع التي تناولها ابن خلدون بالبحث دون أن ندعي أننا سنوفيها حقها وكيف نستطيع ذلك وفي كل يوم نكتشف الجديد حول هذا العالِم.

[عدل]علم التاريخ

لقد تجمعت في شخصية ابن خلدون العناصر الأساسية النظرية والعملية التي تجعل منه مؤرخاً حقيقياً - رغم أنه لم يول في بداية حياته الثقافية عناية خاصة بمادة التاريخ - ذلك أنه لم يراقب الأحداث والوقائع عن بعد كبقية المؤرخين، بل ساهم إلى حد بعيد ومن موقع المسؤولية في صنع تلك الأحداث والوقائع خلال مدة طويلة من حياته العملية تجاوزت 50 عاما، وضمن بوتقة جغرافية امتدت من الاندلس وحتى بلاد الشام. فقد استطاع، ولأول مرة، (اذا استثنينا بعض المحاولات البسيطة هنا وهناك) أن يوضح أن الوقائع التاريخية لا تحدث بمحض الصدفة أو بسبب قوى خارجية مجهولة، بل هي نتيجة عوامل كامنة داخل المجتمعات الإنسانية، لذلك انطلق في دراسته للأحداث التاريخية من الحركة الباطنية الجوهرية للتاريخ. فعلم التاريخ، وان كان (لايزيد في ظاهره عن أخبار الايام والدول) انما هو (في باطنه نظر وتحقيق وتعليل للكائنات ومبادئها دقيق وعلم بكيفيات الوقائع وأسبابها عميق، لذلك فهو أصيل في الحكمة عريق، وجدير بأن يعد في علومها وخليق(المقدمة). فهو بذلك قد اتبع منهجا في دراسة التاريخ يجعل كل أحداثه ملازمة للعمران البشري وتسير وفق قانون ثابت.
يقول: فالقانون في تمييز الحق من الباطل في الأخبار بالإمكان والاستحالة أن ننظر في الاجتماع البشري الذي هو العمران ونميز ما يلحقه لذاته وبمقتضى طبعه وما يكون عارضا لا يعتد به وما لايمكن أن يعرض له، وإذا فعلنا ذلك، كان ذلك لنا قانونا في تمييز الحق من الباطل في الأخبار، والصدق من الكذب بوجه برهان لا مدخل للشك فيه، وحينئذ فاذا سمعنا عن شيء من الأحوال الواقعة في العمران علمنا ما نحكم بقبوله مما نحكم بتزييفه، وكان ذلك لنا معيارا صحيحا يتحرى به المؤرخون طريق الصدق والصواب فيما ينقلونه. ا
وهكذا فهو وان لم يكتشف مادة التاريخ فانه جعلها علما ووضع لها فلسفة ومنهجا علميا نقديا نقلاها من عالم الوصف السطحي والسرد غير المعلل إلى عالم التحليل العقلاني والأحداث المعللة بأسباب عامة منطقية ضمن ما يطلق عليه الآن بالحتمية التاريخية، وذلك ليس ضمن مجتمعه فحسب، بل في كافة المجتمعات الإنسانية وفي كل العصور، وهذا ما جعل منه أيضا وبحق أول من اقتحم ميدان ما يسمى بتاريخ الحضارات أو التاريخ المقارن.إني أدخل الأسباب العامة في دراسة الوقائع الجزئية، وعندئذ أفهم تاريخ الجنس البشري في إطار شامل...اني ابحث عن الأسباب والأصول للحوادث السياسية. كذلك قولهداخلا من باب الأسباب على العموم على الأخبار الخصوص فاستوعب أخبار الخليقة استيعابا...وأعطي الحوادث علة أسبابا. 'ا

[عدل]علم الاجتماع

أصبح من المسلم به تقريبا في مشارق الأرض ومغاربها، أن ابن خلدون هو مؤسس علم الاجتماع أو علم العمران البشري كما يسميه. وقد تفطن هو نفسه لهذه الحقيقة عندما قال في مقدمته التي خصصها في الواقع لهذا العلم الجديد: ... وهذا هو غرض هذا الكتاب الأول من تأليفنا...، وهو علم مستقل بنفسه موضوعه العمران البشري والاجتماع وأصبح الإنساني، كما أنه علم يهدف إلى بيان ما يلحقه من العوارض والأحوال لذاته واحدة بعد أخرى، وهذا شأن كل علم من العلوم وضعيا كان أم عقليا واعلم أن الكلام في هذا الغرض مستحدث الصنعة غريب النزعة غزير الفائدة، أعثر عليه البحث وأدى اليه الغوص... وكأنه علم مستبط النشأة، ولعمري لم أقف على الكلام في منحاه لأحد من الخليقة. المقدمة
ويبدو واضحا ان اكتشاف ابن خلدون لهذا العلم قاده اليه منهجه التاريخي العلمي الذي ينطلق من أن الظواهر الاجتماعية تخضع لقوانين ثابتة وأنها ترتبط ببعضها ارتباط العلة بالمعلول، فكل ظاهرة لها سبب وهي في ذات الوقت سبب لللظاهرة التي تليها. لذلك كان مفهوم العمران البشري عنده يشمل كل الظواهر سواء كانت سكانية أوديمغرافية،اجتماعية، سياسية، اقتصادية أو ثقافية. فهو يقول في ذلك :فهو خبر عن الاجتماع الإنساني الذي هو عمران العالم وما يعرض لطبيعة هذا العمران من الأحوال مثل التوحش والتأنس والعصبيات وأصناف التغلبات للبشر بعضهم على بعض، وما ينشأ عن الكسب والعلوم والصنائع وسائر ما يحدث في ذلك العمران بطبيعته من الأحوال.المقدمة،وهنا يلامس أيضا نظرية النشوء والارتقاء لدى داروين وان لم يغص فيها. ثم أخذ في تفصيل كل تلك الظواهر مبينا أسبابها وتنائجها، مبتدئا بأن بإيضاح أن الإنسان لا يستطيع العيش بمعزل عن أبناء جنسه حيث: ان الاجتماع الإنساني ضروري فالإنسان مدني بالطبع أي لا بد له من الاجتماع الذي هو المدنية... وهو معنى العمران.
ثم تعرض للعمران البشري على العموم مبينا أثر البيئة في الكائنات البشرية وهو مايدخل حاليا في علم الاتنولوجيا والانثروبولوجيا. ثم بعد ذلك تطرق لأنواع العمران البشري تبعا لنمط حياة البشر وأساليبهم الإنتاجية قائلا: ان اختلاف الأجيال في أحوالهم انما هو باختلاف نحلتهم في المعاش. مبتدئا بالعمران البدوي باعتباره أسلوب الإنتاج الأولي الذي لا يرمي إلى الكثير من تحقيق ما هو ضروري للحياة ...ان اهل البدو المنتحلون للمعاش الطبيعي... وانهم مقتصرون على الضروري الاقوات والملابس والمساكن وسائر الأحوال والعوائد. المقدمة
ثم يخصص الفصل الثالث من المقدمة للدول والملك والخلافة ومراتبها وأسباب وكيفية نشوئها وسقوطها، مؤكدا أن الدعامة الأساسية للحكم تكمن في العصبية. والعصبية عنده أصبحت مقولة اجتماعية احتلت مكانة بارزة في مقدمته حتى اعتبرها العديد من المؤرخين مقولة خلدونية بحتة، وهم محقون في ذلك لأن ابن خلدون اهتم بها اهتماما بالغا إلى درجة أنه ربط كل الأحداث الهامة والتغييرات الجذرية التي تطرأ على العمران البدوي أو العمران الحضري بوجود أو فقدان العصبية. كما أنها في رأيه المحور الأساسي في حياة الدول والممالك. ويطنب ابن خلدون في شرح مقولته تلك، مبينا أن العصبية نزعة طبيعية في البشر مذ كانوا، ذلك أنها تتولد من النسب والقرابة وتتوقف درجة قوتها أو ضعفها على درجة قرب النسب أو بعده. ثم يتجاوز نطاق القرابة الضيقة المتمثلة في العائلة ويبين أن درجة النسب قد تكون في الولاء للقبيلة وهي العصبية القبلية ... ومن هذا الباب الولاء والحلف إذ نصرة كل أحد من أحد على أهل ولائه وحلفه للألفة التي تلحق النفس في اهتضام جارها أو قريبها أو نسيبها بوجه من وجوه النسب، وذلك لأجل اللحمة الحاصلة من الولاء. أما إذا أصبح النسب مجهولا غامضا ولم يعد واضحا في أذهان الناس، فإن العصبية تضيع وتختفي هي أيضا. ... بمعنى أن النسب إذا خرج عن الوضوح انتفت النعرة التي تحمل هذه العصبية، فلا منفعة فيه حينئذ. هذا ولا يمكن للنسب أن يختفي ويختلط في العمران البدوي، وذلك أن قساوة الحياة في البادية تجعل القبيلة تعيش حياة عزلة وتوحش، بحيث لا تطمح الأمم في الاختلاط بها ومشاركتها في طريقة عيشها النكداء، وبذلك يحافظ البدو على نقاوة أنسابهم، ومن ثم على عصبيتهم.
... الصريح من النسب انما يوجد للمتوحشين في القفر... وذلك لما اختصوا به من نكد العيش وشظف الأحوال وسوء الموطن، حملتهم عليها الضرورة التي عينت لهم تلك القسمة... فصار لهم ألفا وعادة، وربيت فيهم أجيالهم... فلا ينزع اليهم أحدا من الأمم أن يساهم في حالهم، ولا يأنس بهم أحد من الأجيال... فيؤمن عليهم لأجل ذلك منت اختلاط انسابهم وفسادها. أما إذا تطورت حياتهم وأصبحوا في رغد العيش بانضمامهم إلى الأرياف والمدن، فإن نسبهم يضيع حتما بسبب كثرة الاختلاط ويفقدون بذلك عصبيتهم. ... ثم يقع الاختلاط في الحواضر مع العجم وغيرهم وفسدت الانساب بالجملة ثمرتها من العصبية فاطرحت ثم تلاشت القبائل ودثرت فدثرت العصبية مدثورها وبقي ذلك في البدو كما كان. وهكذا نخلص للقول في هذا الصدد بأن العصبية تكون في العمران البدوي وتفقد في العمران الحضري.
العصبية والسلطة في مرحلة العمران البدوي
بعد أن تعرض ابن خلدون لمفهوم العصبية وأسبا وجودها أو فقدانها، انتقل إلى موضوع حساس وهام، مبينا دور العصبية فيه، ألا وهو موضوع "الرئاسة" الذي سيتطور في ((العمران الحضري)) إلى مفهوم الدولة. فأثناء مرحلة "العمران البدوي" يوجد صراع بين مختلف العصبيات على الرئاسة ضمن القبيلة الواحدة، أي ضمن العصبية العامة حيث: ((..ان كل حي أو بطن من القبائل، وان كانوا عصابة واحدة لنسبهم العام، ففيهم أيضا عصبيات أخرى لأنساب خاصة هي أشد التحاما من النسب العام لهم مثل عشير واحد أو أهل بيت واحد أو أخوة بني أب واحد، لا مثل بني العم الأقربين أو الأبعدين، فهؤلاء أقعد بنسبهم المخصوص، ويشاركون من سواهم من العصائب في النسب العام، والنعرة تقع من أهل نسبهم المخصوص ومن أهل النسب العام، ألا أنها في النسب الخاص أشد لقرب اللحمة)). ومن هنا ينجم التنافس بين مختلف العصبيات الخاصة على الرئاسة، تفوز فيه بطبيعة الحال العصبة الخاصة الأقوى التي تحافظ على الرئاسة إلى أن تغلبها عصبة خاصة أخرى وهكذا.((...ولما كانت الرئاسة انما تكون بالغلب، وجب أن تكون عصبة ذلك النصاب (أي أهل العصبية الخاصة) أقوى من سائر العصبيات ليقع الغلب بها وتتم الرئاسة لأهلها... فهذا هو سر اشتراط الغلب في العصبة، ومنه تعين استمرار الرئاسة في النصاب المخصوص)).
يحدد ابن خلدون مدة وراثة الرئاسة ضمن العصبية القوية بأربعة أجيال على العموم، أي بحوالي 120 سنة في تقديره.((ذلك بأن باني المجد عالم بما عاناه في بنائه ومحافظ على الخلال التي هي سبب كونه وبقائه، وبعده ابن مباشر لأبيه قد سمع منه ذلك وأخذ عنه، ألا أنه مقصر في ذلك تقصير السامع بالشئ عن المعاين له ثم إذى جاء الثالث كان حظه في الاقتفاء والتقليد خاصة فقصر عن الثاني تقصير المقلد عن المجتهد ثم إذا جاء الرابع قصر عن طريقتهم جملة وأضاع الخلال الحافظة لبناء مجدهم واحتقرها وتوهم أن أمر ذلك البنيان لم يكن بمعاناة ولاتكلف، وإنما هو أمر واجب لهم منذ أول النشأة بمجرد انتسابهم وليس بعصبية... واعتبار الأربعة من الأجيال الأربعة بان ومباشر ومقلد وهادم)).وبذلك ينهي ابن خلدون نظريته المتعلقة باسلطة أثناء مرحلة ((العمران البدوي)) ويخلص إلى نتيجة أن السلطة في تلم المرحلة مبنية أساسا على العصبية بحيث لا يمكن أن تكون لها قائمة بدونها.
العصبية والسلطة في العمران الحضري
انطلاقا من نظريته السابقة المتعلقة بدور العصبية في الوصول إلى الرئاسة في المجتمع البدوي، واصل ابن خلدون تحليله على نفس النسق فيما يتعلق بالسلطة في المجتمع الحضري مبينا أن العصبية الخاصة بعد استيلائها على الرئاسة تطمح إلى ما هو أكثر، أي إلى فرض سيادتها على قبائل أخرى بالقوة، وعن طريق الحروب والتغلب للوصول إلى مرحلة الملك ((... وهذا التغلب هو الملك، وهو أمر زائد على الرئاسة... فهو التغلب والحكم بالقهر، وصاحبالعصبية إذا بلغ رتبة طلب ما فوقها)). معتمدا في تحقيق ذلك أساسا وبالدرجة الأولى على العصبية حيث إن ((الغاية التي تجري إليها العصبية هي الملك)). فهذه اذن المرحلة الأولى في تأسيس الملك أو الدولة، وهي مرحلة لا تتم إلا من خلال العصبية.
بالوصول إلى تلك المرحلة يبدأ ((العمران الحضري)) شيئا فشيئا وتصبح السلطة الجديدة تفكر في تدعيم وضعها آخذة بعين الاعتبار جميع العصبيات التابعة لها، وبذلك فانها لم تعد تعتمد على عامل النسب بل على عوامل اجتماعية وأخلاقية جديدة، يسميها اب خلدون ((الخلال)). هنا تدخل الدولة في صراع مع عصبيتها، لأن وجودها أصبح يتنافى عمليا مع وجود تلك العصبية التي كانت في بداية الأمر سببا في قيامها،(يتراءى لنا مبدأ نفي النفي في المادية الجدلية<إضافة رابط المادية الجدلية ان وجد>). ومع نشوء يتخطى الملك عصبيته الخاصة، ويعتمد على مختلف العصبيات. وبذلك تتوسع قاعدة الملك ويصبح الحاكم أغنى وأقوى من ذي قبل، بفضل توسع قاعدة الضرائب من ناحية، والأموال التي التي تدرها الصناعات الحرفية التي التي تنتعش وتزدهر في مرحلة ((العمران الحضري)) من ناحية أخرى.
لتدعيم ملكه يلجأ إلى تعويض القوة العسكرية التي كانت تقدمها له العصبية الخاصة أو العامة(القبيلة) بإنشاء جيش من خارج عصبيته، وحتى من عناصر أجنبية عن قومه، وإلى اغراق رؤساء قبائل البادية بالأموال، وبمنح الإقطاعات كتعويض عن الامتيازات السياسية التي فقدوها. وهكذا تبلغ الدولة الجديدة قمة مجدها في تلك المرحلة، ثم تأخذ في الانحدار حيث أن المال يبدأ في النفاذ شيئا فشيئا بسبب كثرة الانفاق على ملذات الحياة والترف والدعة. وعلى الجيوش ومختلف الموظفين الذين يعتمد عليهم الحكم. فيزيد في فرض الضرائب بشكل مجحف، الشئ الذي يؤدي إلى إضعاف المنتجين، فتتراجع الزراعة وتنقص حركة التجارة، وتقل الصناعات، وتزداد النقمة وبذلك يكون الحكم قد دخل مرحلة بداية النهاية، أي مرحلة الهرم التي ستنتهي حتما بزواله وقيام ملك جديد يمر بنفس الأطوار السابقة اغلتي يجملها اب خلدون في خمسة أطوار. ((... وحالات الدولة وأطوارها لا تعدو في الغالب خمسة أطوار. -الطور الأول طور الظفر بالبغية، وغلب المدافع والممانع، والاستيلاء على الملك وانتزاعه من أيدي الدولة السالفة قبلها.فيكون صاحب الدولة في هذا الطور أسوة بقومه في اكتساب المجد وجباية المال والمدافعة عن الحوزة والحماية لا ينفرد دونهم بشيء لأن ذلك هو مقتضى العصبية التي وقع بها الغلب، وهي لم تزل بعد بحالها.
الطور الثاني طور الاستبداد على قومه والانفراد دونهم بالملك وكبحهم عن التطاول للمساهمة والمشاركة.ويكون صاحب الدولة في هذا الطور معنيا باصطناع الرجال واتخاذ الموالي والصنائع والاستكثار من ذلك، لجدع أنوف أهل عصبيته وعشيرته المقاسمين له في نسبه، الضاربين في الملك بمثل سهمه.فهو يدافعهم عن الأمر ويصدهم عن موارده ويردهم على أعقابهم أن بخلصوا إليه حتى يقر الأمر في نصابه
الطور الثالث طور الفراغ والدعة لتحصيل ثمرات الملك مما تنزع طباع البشر اليه من تحصيل المال وتخليد الآثار وبعد الصيت، فسيتفرغ وسعه في الجباية وضبط الدخل والخرج، وإحصاء النفقات والقصد فيها، وتشييد المباني الحافلة والمصانع العظيمة، والامصار المتسعة، والهياكل المرتفعة، واجازة الوفود من أشرف الأمم ووجوه القبائل وبث المعروف في أهله. هذا مع التوسعة على صنائعه وحاشيته في أحوالهم بالمال والجاه، واعتراض جنوده وادرار ارزاقهم وانصافهم في اعطياتهم لكل هلال، حتى يظهر أثر ذلك عليهم ذلك في ملابسهم وشكتهم وشاراتهم يوم الزينة...وهذا الطور آخر أطوار الاستبداد
الطور الرابع طور القنوع والمسالمة ويكون صاحب الدولة في هذا قانعا بما أولوه سلما لأنظاره من الملوك واقتاله مقلدا للماضين من سلفه... ويرى أن الخروج عن تقليده فساد أمره وأنهم أبصر بما بنوا من مجده.
الطور الخامس طور الاسراف والتبذير ويكون صاحب الدولة في هذا الطور متلفا لما جمع أولوه في سبيل الشهوات والملاذ والكرم على بطانته وفي مجالسه، واصطناع أخدان السوء وخضراء الدمن، وتقليدهم عظيمات الامور التي لا يستقلون بحملها، ولايعرفون ما يأتون ويذرون منها، مستفسدا لكبار الأولياء من قومه وصنائع سلفه، حتى يضطغنوا عليه ويتخاذلوا عن نصرته، مضيعا من جنده بما أنفق من أعطياتهم في شهواتهم... وفي هذا الطور تحصل في الدولة طبيعة الهرم، ويستولي عليها المرض المزمن الذي لا تكاد تخلص منه..أي أن تنقرض)).(المقدمة) واذن فان تحليل ابن خلدون بولادة ونمو وهرم الدولة هو ذو أهمية بالغة، لأنه ينطلق من دراسة الحركة الداخلية للدولة المتمثلة في العصبية، تلك المقولة الاجتماعية والسياسية التي تعتبر محور كل المقولات والمفاهيم الخلدونية. فقد اعتمد عليها اعتمادا أساسيا في دراسته الجدلية لتطور المجتمعات الإنسانية((العمران البشري)) وكأنه يبشر منذ القرن الرابع عشر بما اصطلح على تسميته في أواخر القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين بـ ((المادية الجدلية)). وفي غمرة انطلاقت العلمية الرائعة الرائدة وضع إصبعة على العصب الحساس والرئيسي ،وان لم يكن الوحيد في تطور ((العمران البشري)) ألآ وهو الاقتصاد

[عدل]علم الاقتصاد

ان النتيجة التي توصل إليها ابن خلدون في الفصل الثاني من مقدمته عند بحثه للعمران البدوي وهي:((ان اختلاف الأجيال في أحوالهم انما هو باختلاف نحلهم من المعاش)) قادته بالضرورة إلى دراسة عدة مقولات اقتصادية تعتبر حجر الزاوية في علم الاقتصاد الحديث، مثل دراسة الأساليب الإنتاجية التي تعاقبت على المجتمعات البشرية، وانتقال هذه الأخيرة من البداوة إلى الحضارة، أي من الزراعة إلى الصناعة والتجارة:((...وأما الفلاحة والصناعة والتجارة فهي وجوه طبيعية للمعاش.أما الفلاحة فهي متقدمة عليها كلها بالذات..وأما الصناعة فهي ثانيها ومتأخرة عنها لأنها مركبة وعلمية تصرف فيها الأفكارو الأنظار، ولهذا لا توجد غالبا إلا في أهل الحضر الذي هو متأخر عن البدو وثان عنه)).(المقدمة)
يركز ابن خلدون على الصناعة جاعلا منها السبب الأساسي في الازدهار الحضاري:((ان الصنائع انما تكتمل بكمال العمران الحضري وكثرته... ان رسوخ الصنائع في الامصار انما هو برسوخ الحضارة وطول أمدها)). كما تناول مقولة تقسيم العمل بالتأكيد على أن((النوع الإنساني لا يتم وجوده الا بالتعاون))، لعجز الإنسان عن تلبية جميع حاجاته مهما كانت قدرته بمفرده، حيث أن ((الصنائع في النوع الإنساني كثيرة بكثرة الاعمال المتداولة في العمران. فهي بحيث تشذ عن الحصر ولا يأخذها العد..(مثل) الفلاحة والبناء والخياطة والنجارة والحياكة والتوليد والوراقة والطب...)) أما القيمة فهي في نظره ((قيمة الاعمال البشرية)):فأعلم أن ما يفيد الإنسان ويقتنيه من المتمولات ان كان من الصنائع فالمفاد المقتنى منه قيمة عمله...إذ ليس هناك الا العمل، مثل النجارة والحياكة معهما الخشب والغزل، ألا أن العمل فيهما أكثر فقيمته أكثر، وان كان من غير الصنائع فلا بد في قيمة ذلك المفاد والقنية من دخول قيمة العمل الذي حصلت به، إذ لولا العمل لم تحصل قيمتها...فقد تبين أن المفادات والمكتسبات كلها انما هي قيم الاعمال الإنسانية)).(المقدمة) ولم يغفل أيضا عن مقولة ((القيمة الزائدة)) وان لم يعالجها بشكل معمق عند تعرضه لصاحب الجاه:((وجميع ما شأنه ان تبذل فيه الاعواض من العمل يستعمل فيه الناس من غير عوض فتتوفر قيم تلك الاعمال عليه، فهو بين قيم للأعمال يكتسبها، وقيم أخرى تدعوه الضرورة إلى إخراجها، فتتوفر عليها، والأعمال لصاحب الجاه كبيرة، فتفيد الغني لأقرب وقت، ويزداد مع مرور الأيام يسارا وثروة)).(المقدمة) من كل ما تقدم نستطيع المجازفة والقول إن أعمال ابن خلدون وبالذات ((المقدمة))
  • ويرفض ابن خلدون تدخل الدولة المباشر في الإنتاج والتجارة لما يترتب عليه من أضرار اقتصادية. فهو يرى أن حاجة الدولة لتغطية نفقاتها المتزايدة تدفعها نحو هذا التدخل ولكن النتيجة حينئذ تكون بعكس القصد. يكتب ابن خلدون "اعلم أن الدولة إذا ضاقت جبايتها بما قدمناه من الترف وكثرة العوائد والنفقات وقصر الحاصل من جبايتها على الوفاء بحاجاتها ونفقاتها، واحتاجت إلى مزيد المال والجباية، فتارة توضع المكوس على بياعات الرعايا وأسواقهم كما قدمنا وتارة بالزيادة في ألقاب (معدلات؛ أسعار) المكوس إن كان قد استحدث من قبل، وتارة بمقاسمة العمال والجباة وامتكاك (امتصاص) عظامهم، لما يرون أنهم قد حصلوا على شئ طائل من أموال الجباية لا يظهره الحسبان (المحاسبون)، وتارة باستحداث التجارة والفلاحة للسلطان على تسمية الجباية (باسم الجباية)، لما يرون التجار والفلاحين يحصلون على الفوائد والغلات مع يسارة أموالهم، وأن الأرباح تكون على نسبة رؤوس الأموال. فيأخذون في اكتساب الحيوان والنبات لاستغلاله في شراء البضائع والتعرض بها لحوالة الأسواق، ويحسبون ذلك من إدرار الجباية وتكثير الفوائد. غلط عظيم وإدخال الضرر على الرعايا من وجوه متعددة". مما تقدم يبين لنا أن مقدمة ابن خلدون تعتبر أول موسوعة في العلوم الإنسانية، بل هي باكورة العمل الموسوعي العام قبل ظهور عصر الموسوعات بحوالي خمسة قرون

[عدل]الفلسفة

يرى ابن خلدون في المقدمة أن الفلسفة من العلوم التي استحدثت مع انتشار العمران، وأنها كثيرة في المدن ويعرِّفها قائلاً: بأن قومًا من عقلاء النوع الإنساني زعموا أن الوجود كله، الحسي منه وما وراء الحسي، تُدرك أدواته وأحواله، بأسبابها وعللها، بالأنظار الفكرية والأقيسة العقلية وأن تصحيح العقائد الإيمانية من قِبَل النظر لا من جهة السمع فإنها بعض من مدارك العقل، وهؤلاء يسمون فلاسفة جمع فيلسوف، وهو باللسان اليوناني محب الحكمة. فبحثوا عن ذلك وشمروا له وحوَّموا على إصابة الغرض منه ووضعوا قانونًا يهتدي به العقل في نظره إلى التمييز بين الحق والباطل وسموه بالمنطق. ويحذّر ابن خلدون الناظرين في هذا العلم من دراسته قبل الاطلاع على العلوم الشرعية من التفسير والفقه، فيقول: ¸وليكن نظر من ينظر فيها بعد الامتلاء من الشرعيات والاطلاع على التفسير والفقه ولا يُكبَّنَّ أحدٌ عليها وهو خِلْومن علوم الملة فقلَّ أن يَسلَمَ لذلك من معاطبها·.
لعل ابن خلدون وابن رشد اتفقا على أن البحث في هذا العلم يستوجب الإلمام بعلوم الشرع حتى لا يضل العقل ويتوه في مجاهل الفكر المجرد لأن الشرع يرد العقل إلى البسيط لا إلى المعقد وإلى التجريب لا إلى التجريد. ومن هنا كانت نصيحة هؤلاء العلماء إلى دارسي الفلسفة أن يعرفوا الشرع والنقل قبل أن يُمعنوا في التجريد العقلي.

[عدل]فلسفة ابن خلدون

امتاز ابن خلدون بسعة اطلاعه على ما كتبه القدامى على أحوال البشر وقدرته على استعراض الآراء ونقدها، ودقة الملاحظة مع حرية في التفكير وإنصاف أصحاب الآراء المخالفة لرأيه. وقد كان لخبرته في الحياة السياسية والإدارية وفي القضاء، إلى جانب أسفاره الكثيرة من موطنه الأصيل تونس وبقية بلاد شمال أفريقيا إلى بلدان أخرى مثلمصر والحجاز والشام، أثر بالغ في موضوعية وعلمية كتاباته عن التاريخ وملاحظاته.
بسبب فكر ابن خلدون الدبلوماسي الحكيم، أُرسل أكثر من مرة لحل نزاعات دولية، فقد عينه السلطان محمد بن الأحمر سفيراً إلى أمير قشتالة لعقد الصلح.[2] وبعد ذلك بأعوام، استعان أهل دمشق به لطلب الأمان من الحاكم المغولي تيمور لنك، والتقوا بالفعل.[1][2]

[عدل]الغرب وابن خلدون

كثير من الكتاب الغربيين وصفوا تقديم ابن خلدون للتاريخ بأنه أول تقديم لا ديني للتأريخ، وهو له تقدير كبير عندهم. ربما تكون ترجمة حياة ابن خلدون من أكثر ترجمات شخصيات التاريخ الإسلامي توثيقا بسبب المؤلف الذي وضعه ابن خلدون ليؤرخ لحياته وتجاربه ودعاه التعريف بابن خلدون ورحلته شرقا وغربا، تحدث ابن خلدون في هذا الكتاب عن الكثير من تفاصيل حياته المهنية في مجال السياسة والتأليف والرحلات، ولكنه لم يضمنها كثيرا تفاصيل حياته الشخصية والعائلية.
كان شمال أفريقيا أيام ابن خلدون بعد سقوط دولة الموحدين تحكمه ثلاث أسر : المغرب كان تحت سيطرة المرينيين (1196 - 1464)، غرب الجزائر كان تحت سيطرة آل عبد الودود (1236 - 1556)، تونس وشرق الجزائر وبرقة تحت سيطرة الحفصيين (1228 - 1574). التصارع بين هذه الدول الثلاثة كان على أشده للسيطرة ما أمكن من المغرب الكبير ولكن تميزت فترة الحفصيين بإشعاع ثقافي باهر.وكان المشرق العربي في أحلك الظروف آنذاك يمزقه التتار والتدهور. يبي

[عدل]وظائف تولاها

كان ابن خلدون دبلوماسياً حكيماً أيضاً. وقد أُرسل في أكثر من وظيفة دبلوماسية لحل النزاعات بين زعماء الدول: مثلاً، عينه السلطان محمد بن الاحمر سفيراً له إلى أمير قشتالة للتوصل لعقد صلح بينهما وكان صديقاً مقرباً لوزيره لسان الدين ابن الخطيب.كان وزيراً لدى أبي عبد الله الحفصي سلطان بجاية، وكان مقرباً من السلطان أبي عنان المرينىقبل أن يسعى بينهما الوشاة. وبعد ذلك بأعوام استعان به أهل دمشق لطلب الأمان من الحاكم المغولي القاسي تيمورلنك، وتم اللقاء بينهما. وصف ابن خلدون اللقاء في مذكراته. إذ يصف ما رآه من طباع الطاغية، ووحشيته في التعامل مع المدن التي يفتحها، ويقدم تقييماً متميزاً لكل ما شاهد في رسالة خطها لملك المغرب الخصال الإسلامية لشخصية ابن خلدون، أسلوبه الحكيم في التعامل مع تيمور لنك مثلاً، وذكائه وكرمه، وغيرها من الصفات التي أدت في نهاية المطاف لنجاته من هذه المحنة، تجعل من التعريف عملاً متميزاً عن غيره من نصوص أدب المذكرات العربية والعالمية. فنحن نرى هنا الملامح الإسلامية لعالم كبير واجه المحن بصبر وشجاعة وذكاء ولباقة. ويعتبر ابن خلدون مؤسس علم الاجتماع.
ساهم في الدعوة للسلطان أبى حمو الزيانى سلطان تلمسان بين القبائل بعد سقوط بجاية في يد سلطان قسنطينة أبى العباس الحفصى وأرسل أخاه يحيى بن خلدون ليكون وزيراً لدى أبى حمو.

[عدل]وفاته

توفي في مصر عام 1406 م، ودفن في مقابر الصوفية عند باب النصر شمال القاهرة. وقبره غير معروف. والدار التي ولد بها كائنة بنهج تربة الباي عدد 34 بتونسالعاصمة بالمدينة العتيقة.
له قصيدة في الحنين لموطنه تونس
أحن إلى ألفي وقد حال دونهممهامه فيح دونهن سباسب
ويبقى ابن خلدون اليوم شاهدا على عظمة الفكر الإسلامي المتميز بالدقة والجدية العلمية والقدرة على التجديد لاثراء الفكر الإنساني.

[عدل]كتبه ومؤلفاته

[عدل]انظر أيضاً

[عدل]مراجع

  1. أ ب ابن خلدون في إسلام أونلاين
  2. ^ خطأ استشهاد: وسم  غير صحيح؛ لا نص تم توفيره للمراجع المسماة Ibn1



مع اعتذاراتي : للباحث : براندون هاريس